سورة آل عمران - تفسير التفسير الوسيط

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (آل عمران)


        


{قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (27)} [آل عمران: 3/ 26- 27].
وقال قتادة: ذكر لنا أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سأل ربه أن يجعل ملك فارس والروم في أمته، فأنزل اللّه تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ...} الآية.
هذه بعض الأدلة على قدرة اللّه تعالى وعظمته، فهو مالك الملك، وهو المعطي والمانع، يؤتي الملك والنبوة من يشاء من عباده كآل إبراهيم، قال اللّه تعالى: {فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً} [النساء: 4/ 54].
وقد يعطي اللّه ملكا فقط كسائر الملوك الدنيويين القدامى والمعاصرين، وقد ينزع اللّه الملك ممن يشاء من الأفراد والأمم بسبب ظلمهم وفسادهم وسوء سياستهم، كما نزع الملك من كثير من الدول والأشخاص، واللّه سبحانه يعز من يشاء ويذلّ من يشاء، والعزة والذلة لا تتوقف على الملك أو المال، فكل إنسان معرض للذل والعز بمقتضى إرادة اللّه، واللّه وحده بيده الخير، فكل ما كان أو يكون لا يخلو من خير ونعمة، لصاحبه نفسه أو لغيره من الناس، إن اللّه قدير تام القدرة على كل شيء، ولا يفعل شيئا إلا بمقتضى الحكمة والمصلحة والعدل.
ومن أدلة قدرة اللّه تعالى وتمام ملكه وعظمته: أن اللّه يدخل الليل في النهار فيزيد منهما وينقص، ويدخل النهار في الليل زيادة ونقصا، بيده الأمر، والكون في قبضته، والسماوات والأرض مطويات بيمينه. وهو سبحانه يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي حياة مادية واضحة كإخراج النبات الرطب من الحب اليابس وعلى العكس، وحياة معنوية ملحوظة كإخراج العالم من الجاهل، والجاهل من العالم، والمؤمن من الكافر، والكافر من المؤمن.
ومن أدلة قدرة اللّه أنه يرزق جميع المخلوقات في الدنيا والآخرة، يرزق من يشاء بغير حساب يطلب منه، ولا رقيب عليه، وبغير تعب ولا مشقة، فله سبحانه خزائن السماوات والأرض، التي لا تنفد ولا تغيض، ولا تفنى ولا تنقص، إن اللّه هو الرزاق ذو القوة المتين، وهو الخالق لكل شيء.
موالاة الأعداء:
المسلم قاعدة صلبة وأمينة في بنية المجتمع الإسلامي، فلا يفرّط في حق من حقوق أمته، ولا يغدر ولا يخون ولا يغش أحدا، ولا يكون جاسوسا للأعداء، ولا يظهر اللطف لهم والميل إليهم إلا بمقدار ما تقتضيه المصلحة العامة العليا، ولا يناصر الأعداء، أو يعمل ضد مصلحة أمته المؤمنة.
وهذا ما حذّر منه القرآن الكريم في آيات كثيرة، وهدد المخالفين المتواطئين على مصلحة الأمة ومصيرها، فقال اللّه تعالى:


{لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)} [آل عمران: 3/ 28]. فلا تجوز موالاة الأعداء ومناصرتهم فهذا أمر ينفّر منه الشرع ولا يقره الدين في أي حال، إلا في حال الخوف منهم واتقاء أمر يجب اتقاؤه كالقتل وقطع الأعضاء والضرب بالسوط والسجن والتهديد والوعيد وسائر أنواع التعذيب،. وذلك إذا كان المرء في دار الأعداء، فإذا داراهم الإنسان أحيانا باللسان فقط وتحاشى أذاهم، فذلك أمر جائز شرعا، ويكون المؤمن في هذه الحال مكرها، واللّه تعالى يقول: {إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمانِ} [النحل: 16/ 106].
وسبب نزول آية النهي عن موالاة الأعداء: هو ما قاله الكلبي: نزلت هذه الآية في المنافقين عبد اللّه بن أبيّ وأصحابه، كانوا يتولون اليهود والمشركين، ويأتونهم بالأخبار، ويرجون أن يكون لهم الظفر على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه تعالى هذه الآية، ونهى المؤمنين عن مثل فعلهم.
وهناك سبب آخر ذكره ابن عباس، فقال: نزلت الآية في عبادة بن الصامت الأنصاري، وكان بدريا نقيبا، وكان له حلفاء من اليهود، فلما خرج النبي صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الأحزاب قال عبادة: يا نبي اللّه، إن معي خمس مائة رجل من اليهود، وقد رأيت أن يخرجوا معي، فأستظهر بهم على العدو، فأنزل اللّه تعالى: {لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ} الآية. ثم هدد اللّه المخالفين المتواطئين على مصير أمتهم بقوله:


{قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ (30)} [آل عمران: 3/ 29- 30].
والمعنى: إن اللّه تعالى يعلم كل ما يخفيه الناس في صدورهم، أو يظهرونه، واللّه يعلم أيضا جميع ما يحدث في السماوات والأرض، ومن ذلك الميل إلى الأعداء أو البعد عنهم، واللّه تام القدرة على كل شيء.
وليحذر الإنسان يوم القيامة الرهيب، ففيه يجد كل إنسان ما قدمه من عمل خير أو شر، قليل أو كثير، فإن كان العمل خيرا سرّ صاحبه، وإن كان شرا ودّ صاحبه أن يكون بينه وبين عمله بعد ما بين المشرقين. ويحذر اللّه الناس عقابه الصارم إن خالفوا، واللّه رؤف بالعباد إن أطاعوا والتزموا الأوامر واجتنبوا النواهي.
والخلاصة: حرّم اللّه إفشاء الأسرار للأعداء التي تضر الجماعة الإسلامية، ولا مانع من معاملة غير المسلمين معاملة حسنة إذا لم يتآمروا علينا أو يضرونا بضرر، وأما الأعداء الذين أخرجوا المسلمين من بلادهم كفلسطين وغيرها، فلا تحل موالاتهم، بل تجب معاداتهم حتى نحرر الأراضي المحتلة.
الطاعة والولاء أساس المحبة:
يزعم بعض الناس أنهم يحبون اللّه ورسوله، ولكنهم لا يتبّعون شيئا من أوامر اللّه ورسوله، ولا يلتزمون جادة الطاعة، وتراهم في واد وأحكام الشرع في واد آخر، ومثل هذا الموقف لون من ألوان التناقض الذي لا يقره شرع ولا عقل، ونوع من أنواع الازدواجية الممقوتة التي يلبس فيها الإنسان لباسين ويتحلى بحلتين.
فمن أهم ركائز المحبة إظهار الطاعة، والانقياد للأوامر الإلهية، لذا قال الإمام الشافعي:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه *** هذا لعمري في القياس بديع
لو كنت تظهر حبه لأطعته *** إن المحب لمن يحب مطيع
وتكررت أوامر القرآن الكريم بالطاعة، فقال اللّه سبحانه: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20)} [الأنفال: 8/ 20]. ووبّخ أولئك الذين يدّعون محبة اللّه ورسوله، ويعصون أوامرهما، فقال سبحانه:

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8